يموت الإنسان وتعيش خطواته الجادة ولحظاته الحاسمة التي قضاها في خدمة أمته ومجتمعه ، يغادر هذه الحياة وهو محمّل بالشكر والذكر والرفان على كل الدقائق فقط التي قضاها في سبيل الآخرين لا في سبيل نفسه .
مات الحسن بن علي - رضي الله عنه - فوجد الفقراء أثر ذلك وانقطعت عنهم المؤونة وذلك لشديد حرصه على إخفاء فضله رغم ذيوع التهمة له بالبخل والإمساك .
وهكذا عاش رجل هذا العدد وإنسان هذا الشهر الذي عاش والناس تستقل فضله ولا تنتظر من إنسان بلغ من العمر عتيّاً أن يعود بفضل أو يحقق نفعاً لأحد ، لكنه غلب الظن بيقين العمل وبدد شكوك الوهم بالإصرار والعزيمة والعمل الدؤوب .
لقد وصلنا من نفعه وهو موسد التراب وبلغنا من خيره وأثره وهو مقبور تحت الثرى لكأنه يعيش ويسعى ويحفد لأجل ذلك وما هو بميت ، وكل الخدمات والإصلاحات التي تعيشها ( قرية الصفة ) اليوم بقايا من فضله وسعيه ونشاطه .
كان مراقباً للمساجد ولا يُنتظر من مثله وهو كبير السن منحني الظهر مثقل الخطى أن يجيد مهمته ويخلص في عمله ولكنه بقي حتى هذه اللحظة الأخيرة من حياته دائباً على العمل حريصاً على الإتقان مجيداً لمهامه .
لقد ساقت الشيخوخة سحب البياض إلى شعر رأسه ولحيته وبقي على سابق عهده ووافر نشاطه وشبابه ، حريصاُ على مصلحه أهليه وبني قومه ومجتمعه ، غيوراً على مصالحهم وشديداً على كل مقصّر ومتقاعس وقاعد دون مهمته ومشروعه .
ولو رأيت احتراقه ولمست ذلك منه في الاجتماعات المتكررة لمصالح القرية وشؤونها لاستعجبت من هذه العزيمة الشابة المتوقدة والمبادرة المستوفزة والسبق لكل خيار واختيار وخطوة في سبيل الرقي بالبلدة .
لقد جاد بالوقت والمال والجهد حتى وهن منه العظم واشتعل الرأس شيباً ، بل بقي كذلك حتى أودع القبر وغادر الحياة وما زال خيره وفضله ونشاطه واضحاً جليّاً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق