أنا لا أتعلق بالأشخاص ولكن أحلق معهم . عادة مجالسنا الغيبة والبهتان فليكن مجلسنا هنا المديحة والعرفان . والغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره وهنا ذكره بما يحب . هنا لا نتحدث في الأشخاص ولكن نتحدث عنهم !
السبت، 17 مارس 2012
ابن باز .. صوت الحق اليتيم
كعادة العظام عندما يولدون وقد كتب لهم أن يعيشوا الحياة بكرامة ورفعة .
وفي يفاعة عمره ومقتبل شبابه بدأ نور بصره يخفت ويروح ، ولما استحكم العمى من عينيه نفذت بصيرته واخترقت أستار اليأس والسلبية لتضيء للعالم أجمع من معين علمه وثمين فهمه .
لم لا ؟! والقرآن محفوظ في صدره ، يضيء ما بين جوانحه وقد اتخذه أنيسه وجليسه منذ الصغر ، وقد كان سباقاً إلى كل خير مبادراً إلى المعالي قبل أن يخط الشنب على وجهه ويستقيم عوده .
ولا غرو لمن ولد في عهد قريب من مجدد الدعوة في جزيرة العرب الشيخ / محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله- أن يشتاق للمعالي وقد أضاءت هذه الدعوة المباركة أطراف البلاد وأعادت للسنة موقعها من النفوس .
تقادمت الأيام بالشيخ الجليل وقد قرض الكثير من العلم وأتى على جل المتون حتى ذاع صيته في المعمورة وطلبه السائلون عن العلم بأصوله المتينة وجذوره الحصينة من كل مكان وطبق اسمه في البلاد .
ولأن الكبار دائماً لا يهتمون لصغائر الأمور وسفسافها وقد طبعوا بأنبل الخصال وأشرف الأخلاق فارتفعوا بها عن الدنايا وعزّ أن تطالهم الشائبات من الأخلاق والفعال ، فذلك الحلم من بين عديد الأخلاق ومزيد الصفات يتجلى في هذا الموقف ..
دخل رجل كثير السباب فسبَّ الشيخ وشتمه ، والشيخ لا يرد عليه ، وعندما سافر الشيخ إلى الحج توفي هذا الرجل فجهّز للصلاة عليه ، وامتنع إمام المسجد عن الصلاة عليه ، فلما عاد الشيخ عبد العزيز من الحج وأخبر بموت ذلك الرجل ترحم عليه ، وعندما علم برفض إمام المسجد الصلاة عليه ، امتعض لذلك وأنكره ، وبكل رفعة توجه إلى قبره وأدى الصلاة عليه .
وسبحان من جعل له في الأرض القبول ولكلمته آذاناً صاغية في الناس ولآرائه أنصار ومتابعون ولك أن ترى ذلك في كل فتوى موسومة باسمه كيف تلقى من الذيوع والانتشار ، وكيف يعمل بها الناس دون سؤال أو تحقق .
وليس الأمر تقديس شخصه والتعصب لرأيه بقدر ما هو تصديق لقوله وإدراك بأمانته فيما يذهب إليه ويختاره بنزاهة وتحرٍ للعدل والصواب .
وألزمته المكانة العلمية التي حظي بها والوجاهة الاجتماعية التي يتقلدها أن تكثر ارتباطاته وتزداد أشغاله فتأتي على كل وقته ، وبرغم ذلك كله فقد كان يداعب مرافقيه ويلاطف جلسائه بالأسلوب الذي يليق بمكانته .
وفي ذلك يذكر أنه - رحمه الله - إذا أراد الوضوء ناول من بجانبه ردائه أو غطاء رأسه ثم قال ممازحاً مداعباً : هذه يا فلان على سبيل الأمانة ، لا تطمع بها .
هكذا قضى بقية حياته عزيزاً كريماً حليماً معطاءً سهلاً هيناً ليناً ، ولم يبرح نجمه يزداد سطوعاً وإضاءة وعلمه ينتشر في الآفاق ليجلي حقائق الإيمان ويعلي كلمة الحق .
كم كانت تلك الليلة بائسة على الدنيا ثقيلة على النفوس عندما حانت اللحظة التي تزول فيها تلك اللبنة التي زينت البناء لتترك فراغاً واسعاً وفجوة مهولة لا يخفف من اتساعها إلا ذلك العلم الذي تركه ومجموع الرجال الذين صنعهم ليكملوا مسيرة الضياء المديدة .
رحم الله شيخنا / عبد العزيز ابن باز رحمة واسعة .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق