إن الرغبة الجادة الملحة في أن يكون الإنسان راقياً كما يريد له الله تتطلب من الشجاعة والقوة ما تعين على الثورة ضد التقاليد البالية التي ورثناها من آبائنا وتحول دون زحفنا نحو الإنسانية الحقيقية .
أثناء عيشهم في " الر...دحة " بقي فترة طويلة في خطر داهم وعرضة لتلك الآفة الداهمة التي طالما انقضّت على الناس بدون رحمة فاختطفت منهم الحياة وجرفتهم نحو الهلكة .
ولأنه رجل فاضل صالح عظيم لا يعيش لنفسه حمل معه همّ قبيلته وبني قومه وأصبح هذا هاجساً يؤرقه ودافعاً إلى اتخاذ القرار الصعب والحمل الثقيل وخوض التحدي .
انتقل رغم ممانعة والده واستثقال القبيلة لهذه الفكرة لكنه تمسك برأيه لا تعصباً ولا انتصاراً لنفسه ولكنها الثقة في صواب مذهبه والحرص على نجاة أهله فخاض تحدياً آخر وعاش مسؤولية عظيمة هي إثبات نفسه وترسيخ قدمه في هذه الفلاة المقطوعة .
ولأنه صاحب نظرة بعيدة ورؤية مستقبلية فاحصة عجِل إلى استغلال كل فرصة واستثمار كل سانحة تبرق في سماء الأمل فكان له ذلك حيث رأى أهلية هذه المنطقة الجديدة لتكون مركزاً حضارياً وعاصمة إدارية فكان له ذلك .
أقبل أهالي الردحة لسكنى هذه البلدة وكأنها فتح جديد لفكرته وتحقيق لإرادته واعتراف جمعي وجماهيري بنضوجه وحصافته ثم بدأت بوادر القرية الحالمة التي ولدت في ذهن هذا الإنسان قبل أن تكون واقعاً على الأرض .
مات هذا الإنسان ولم يزل يتفجر بالرغبة الصادقة في حياة حضارية ومدنية عميقة ربما لا يعرفها مصطلحاً وفكراً لكنه يتوق إليها طبعاً وفطرة .
لم أعايش هذا الإنسان سوى في شتات القصص والحكايات التي تدور حول شخصيته ولم أرى ملامح وجهه سوى في صورة قديمة وقعت في يدي قريباً فقرأت في ملامحه إنسان الرقي والرفعة والفضيلة .
ولقد بلغ مني الإعجاب في شخصيته كل مبلغ حتى دعاني ذلك إلى استكمال مشروعه الحضاري ليس على أرض قريتنا ولكن في نفوس أبنائها .
عمر البدوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق