عمر ووائل أو وائل وعمر بأيهما ابتدأت وأحدهما اختتمت لن تحدث فرقاً ولن
تغير شيئاً ، فهي قصة من الخيال وضرب من المحال أن تجدهما في موقعين مفترقين .
لقد كانا مضرب مثل وأنموذج صحب لا يتكرر ، يستشهد بهما القاصي والداني
حتى خشينا على صحبتنا من العين ، فآثرنا أن تكون المشاعر الممتدة بيننا حبيسة
الصدور وآن لها الآن أن ترتصف على السطور وتنتظم في هذه الكلمات المترعة بالحب
لوائل .
وإن لم يكتب لوائل أن يكون له قلم متمكن يكتب به قصة الصحبة هذه ، فإن له
صوت يتغنى بها وينشد أعذب قصيدة يمكن أن تكتب فينا .
أكتب هذه الكلمات ووائل يتقلب بثقل على فراشه وهو نائم ، لقد كسرت يده
ليلة البارحة على ملعب القرية ، وكم هو الألم الذي يقبض على قلبي ويد وائل قد
جبّرت بعد أن أهيضت البارحة .
هل رأيت ملازمة الظلمة للمساء والإشراق للنهار ، بل رأيت ملازمة ظلك
وترادف اسمك لك ، هي أقرب من ذلك بكثير علاقة وائل وعمر .
لقد كتب لنا أن نكون أصحاباً كأجمل ما تكون الصحبة ، وأقرباء تجمعنا قربى
الدم ، وأبناء قرية واحدة تضمنا بحنان إلى صدرها ، وزملاء دراسة لا يحجب عن
مقاعدنا سوى الهواء ، وجيران : منازلهم تلتصق جدرانها كما تلتصق جدران القلوب
ببعضها .
ولا أعرف أن كتب لاثنين بمثل هذا القرب ، ناهيك عن تلك السماحة التي تسود
علاقتنا ، فلا أعرف أن كشّر وائل عن ناب غضب أو بدى بوجه عابس لي ولا قطّب بملامحه
في وجهي .
غير ما كان أيام الطفولة من المشاغبات المتتالية والمداعبات المتلاحقة ،
وبعض مُلح نستعذب بها الحياة حتى المزاح بيننا لا يبلغ أدنى الإيذاء وأقل الإجهاد
.
إن حدثتك عن وائل فماذا أقول لك ؟! عن تلك الذكريات التي تصطف أمام ناظري
من قصص ساخرة ومواقف باسمة وأحلام مهولة رسمناها مع بعضنا تحت سقف القلوب وبين
جدران الحب والصداقة المنعتقة من كل المصالح الضيقة والنوايا الرخيصة .
أم عن إشراقة وجهه وإصباح طلته ورشاقة كلمته ونصاعة ضحكته وطيب قلبه وسماحة
خلقه وليونة جانبه ونعومة ظاهرة وسماحة داخله .
أم صوته العذب الذي لا يروق لمسمعي غيره وتغريده الشجي الذي تحن له أذناي
وإطرابه الموشى بالرخامة والنعومة .
عشرون عاماً هي أعمارنا وأنا أكتب لكم هذا الحديث ، لم تمر كالعادة علينا
كلمح البصر بل كانت مليئة بالأحداث مثقلة بالمواقف تعج باللحظات التي سجلناها على
صفحة علاقتنا ناصعة البياض .
لا أعرف أن كتبنا عليها بلون أسود أو أدنى قطرة حبر منه ، وإن كان يعني
لكم الحزن والكآبة والمأساة فهي ليست في قاموسنا ولا تعنينا في شيء .
فرحنا واحد كما أن حزننا واحد ، والنجاح هو ذلك الذي نجنيه معاً ونصل
إليه على قلب رجل واحد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق